مراجعات الاسلاميين الشيعة !

هاف بوست عراقي ـ  ابراهيم العبادي:
لم يعرف عن (وحدات )المشروع السياسي الاسلامي الشيعي مراجعة فكرية أوسياسية على شاكلة اوراق في النقد الذاتي ، تسائل التجربة وتشخص اخطاءها وتصارح الناس بها ،بل وجدنا خطابا محافظا جزميا واصرارا على المضي في المسار ، يلقي تبعة الصعوبات والاخفاقات والمشكلات على عاتق الاعداء ومؤامراتهم والظرف الخارجي غير المواتي ، دونما توقف أومقايسة أومراجعة ،فبعد سنوات متطاولة سيطر فيها هاجس (ليس في الامكان احسن مما كان ) ظهر بوضوح ان بعضا مما انتهُج من خيارات ثورية أو مواجهات شاملة ، أو سياسات أو حروب او تكتيكات ، غيرت حياة الناس وفرضت مسارات ثقيلة ومكلفة في الدماء والاموال ،لم تكن كلها بسبب عدوانية الاعداء وخططهم ومشروعهم المضاد ، وهي موجودة في كل الاحوال ،بل ان بعضها بسبب النهج الذاتي والمزاج الشخصي وغلبة فكر متشدد مع تغييب القوى العقلانية والانسياق وراء خطاب التحريض والمواجهة السائر خلف اوهام وفكر غيبي وحسابات خاطئة ومراهقة ثورية وعلل داخلية اكثر مما هي استجابة لتحديات خارجية .

ماذا كان الحصاد ؟موضوعيا ثمة نصف كاس مملوء مختلف عليه ،الكلام هنا عن النصف الفارغ ، حيث الصراعات الداخلية والانشقاقات الحزبية والتمردات الشعبية والعزلة الداخلية والخارجية ، ثم الفقر والحصار والنبذ والاحتضار ،واجيال جديدة ناقمة رافضة، ونقد اخلاقي صارم ومسائلة من الداخل والخارج تطال الاسس والعناوين الاساسية للمشروع و التجربة كلها من فكر وسلوك واخلاقيات عمل وقداسات تتهاوى وقدوات مفقودة .

كان من لوازم التفكير بالسياسة من منظار الفكر الديني الاسلامي ، ان يوزن كل عمل وكل سلوك بما فيها تأسيس التنظيمات واهدافها ومواقفها بميزان شرعي ،بمعنى ان السلوك السياسي ينبغي ان يحصل على المشروعية الدينية في تحقيق اهداف ومقاصد الدين والشريعة في تحقيق الكليات الخمس الشهيرة ، وهي حفظ الدين و النفس و العقل و المال و العِرض (النسل) ، وهي بالاساس تنظير سني ابتدأه العلامة الشاطبي ( ت 790 هج)وطوره في القرن الرابع عشر الهجري العلامة التونسي محمد الطاهر بن عاشور ( 1879-1973م )

فهدف تاسيس الحركات الاسلامية هو استئناف الحياة الاسلامية كناية عن توقف تلك الحياة ومااحدثه المشروع الحضاري الغربي من قطيعة في منطقتنا والعالم ، ولذلك كانت اسلمة انظمة الحكم وجعل شرعيتها مستندة الى الشرعية الدينية ، والحكم بما انزل الله تشريعا وقانونا ، والحفاظ على القيم والاخلاق الاسلامية في السلوك الفردي والجمعي هي الهدف الاسمى ، والوسيلة الى ذلك هو التزام العدالة الاجتماعية وتنمية الاقتصاد ، والوقوف بوجه الظلم والاستبداد والاستعباد ونصرة المظلومين واحقاق حقوق المستضعفين ، وبالجملة المحافظة على الاستقلال والسيادة ومنع التبعية الفكرية والاقتصادية والسياسية في العلاقات الخارجية ،ولم يختلف المشروع الاسلامي الشيعي عن شقيقه السني في كل ذلك الا في تفصيل نظرية الحكم ، فكلاهما مشروع احيائي يريد التصدي للاختراق والغزو الثقافي والفكري الغربي ، ومواجهة علاقات القوة والهيمنة التي فرضها الغرب على بلاد المسلمين ، واستلبهم امكاناتهم وحقوقهم وتلاعب بمصائرهم ومزق وحدتهم ، وجعلهم متخلفين حضاريا وتقنيا وفقراء في بلادهم المكتنزة بالثروات ،وهذه هي جملة قضايا الخطاب الاسلامي السياسي المعاصر الذي تتبناه هذه الحركات .
خلال مسيرة قاربت السبعين عاما ،انتج المشروع الاسلامي السياسي الشيعي ،دولة اسلامية شيعية يحكمها الفقهاء الشيعة في ايران ، سبقها حركات صغيرة ذات اليمين وذات الشمال ،وحركات واحزاب شيعية في العراق سبقت الثورة الاسلامية في ايران اكبرها (الدعوة الاسلامية ) بل هي الحركة الام لما بعدها ،وحركات اسلامية حديثة التكوين بعد انتصار الثورة ومن نتائج حماستها وخطابها في كل من البحرين والسعودية ولبنان وافغانستان والكويت ، دخلت كلها في مواجهات عنيفة مع انظمة الحكم في بلدانها ومع حماة وداعمي تلك الانظمة ،ثم اختلفت المسارات بين تطبيع مع الحكومات وتراجع عن الخطاب السابق وقبول بالديمقراطية والمشاركة في الحكم والتخلي عن السلاح ،ومن الطبيعي ان يعتور هذه التجارب ، وان قادها فقهاء ومجتهدون وطلبة علم شرعي ومتدينون افندية يقلدون مرجعيات دينية ، مشكلات في الفكر والتنظيم والممارسة والسلوك والمواقف والسياسات،فماذا انجز هذا المشروع ؟وماهو ثمن هذا الانجاز ،اخلاقيا وبشريا وماديا ؟وكيف انعكس وجود هذا المشروع على امن الناس ومعاشهم وووجودهم وخياراتهم ؟ ثم ماذا تحقق من النهضة والعدالة والتنمية والحريات بحدها الشرعي ومفاهيمها السياسية ؟ وماالفرق الذي كرسه الاسلاميون في ممارسة السياسة عن الاحزاب والقوى والانظمة غير الاسلامية ؟واخيرا ماذا افاد الناس من تجربة الحكم الاسلامي ؟اين اخطا الاسلاميون واين اصابوا ؟ هذه نماذج من الاسئلة العامة التي تفرض على الاسلاميين استنطاق تجربتهم والتعرف على مكامن الخلل والقصور فيها ان كانوا حريصين على الاستماع لما يجول في اذهان الجمهور وهو مساحة وميدان ومادة عملهم !!!!.
ان ممارسة السياسة تعني في المحصلة الاخيرة التدخل والتأثير في مصائر الناس وامنهم ومعاشهم ووجهتهم السياسية ونموذجهم الاقتصادي والثقافي وو ، وكل ذلك مسؤولية عظمى ،مسؤولية شرعية واجتماعية واخلاقية وانسانية ،ان الحفاظ على على حيوية المشروع يستلزم استمرار قناعة اكثرية الناس به وبجدواه لتتحقق لهم الطمأنينة النفسية والاخلاقية بما يجعل الدفاع عنه – باعتباره الخيار الامثل والطريق الاسلم – من المسلمات السياسية عندهم ، لكن ماذا لو ارتفع صوت الناس بالاعتراض من داخل حملة هذا المشروع فضلا عن خارجه ؟

كل مسيرة بشرية تعترضها مشكلات وتحديات تتغلب عليها باجتهادات واساليب عمل ورؤى فكرية وسياسية ومباديء اخلاقية وقيمية ،ومالم تصوب اخطائها وعثراتها فانها تصبح موضع تشكيك ورفض ونقد ومعاندة ،لايمكن الاستناد الى الشعار الاسلامي وحده في فرض الرؤى والمواقف والخيارات على الناس ،ولايمكن فرض اي نوع من انواع الولاية والوصاية وتقرير مصير البشر الا باختيارهم وطوع ارادتهم وقناعتهم ،تواجه دولة وحركات المشروع الاسلامي الشيعي نقدا لاسابقة حاليا له ليس بسبب العقوبات والحصارات والمواقف المضادة بل بسبب الاداء الذي هيمنت عليه نزعة التشدد والصوابية والمناقبية والتطهرية الزائدة بلا استعداد كاف ولا اخلاقية عملية كثيرا ماتم ادعاؤها خطابيا . هناك بون شاسع بين المثالية المدعاة والواقعية المعاشة ، وهناك ضعف هائل في الاخلاق العملية وجمود كبير في فهم العالم المحيط ومعادلاته السياسية ،اذ لم يطور الاسلاميون افكارهم بما يلائم الدولة المعاصرة ،دولة المؤسسات والقانون والهوية الوطنية والسيادة والتعددية والمواطنة والديمقراطية ،ولم يفكك الاسلاميون بين مفاهيم الانتماء الى الامة العقائدية والامة السياسية الوطنية ،كما لم ينجز الاسلاميون رؤية ناضجة حديثة لما ينبغي ان تكون عليه علاقاتهم بالاخر الوطني والاخر العقائدي غير الوطني ،ولم يعلنوا بصراحة عن مواقفهم و علاقاتهم بمرجعياتهم الدينية المحلية وعن مرجعيتهم السياسية العابرة للاوطان ،عليهم ان يكونوا اكثر صراحة في التعبير عن لوازم الولاء الوطني ،وان لايصبحوا في عيون مواطنيهم وكأنهم وكلاء عن الاخرين وادوات في مشروع اكبر منهم ومن مصالح اوطانهم ومواطنيهم .

 

 

لقراءة المقال باللغة الانكليزية أنقر على الايقونة (يمين المقال)

 

 

تابع صفحتنا في فيسبوك

مصادر: وكالات – تواصل اجتماعي – رصد وتحرير و نشر محرري الموقع 

وكالة تنشر النصوص بلا قيود..  المواد المنشورة تعبر عن وجهة نظر مصدرها

اكتب لنا: [email protected]

 

0 0 votes
Article Rating

قصص اخرى

Subscribe
Notify of
guest

0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments