بغداد – هف بوست عراقي (منصة الخطاب المختلف):
اللواء الطيار احمد مطشر
عندما قدم لي المقدم المهندس محمد تقرير موقف صلاحية الطائرات لقيادة طيران الجيش لفت انتباهي موقف احدى الطائرات والتي قد انتهى عمرها التقويمي والزمني وتوقفت عن الطيران بانتظار التفتيش العام (Overall) خارج العراق ، وهذه الصورة مع طائرتي في قاعدة التاجي الجوية،
اذ ان لي ذكريات كثيرة وعجيبة مع هذه الطائرة منذ استلامها عام ٢٠١٠، حيث انها كانت ضمن اول طائرتين (Mi17mm) قمت باستلامهما في بداية تشكيل السرب ١٥ عندما كنت أمراً لذلك السرب البطل وفق برنامج التسليم الذي كان بمعدل طائرتين كل ٢٠ يوم حتى اكتمل العدد ب٢٢ طائرة وبدأنا باستخدام الطائرات للتدريب وإعادة تأهيل الطيارين وإعداد الطيارين الأحداث وفق منهج طيران العمليات الخاصة للعمل على هذه الطائرة ومنظوماتها الحديثة بعد تطويرها وجعلها من طائرات الجيل الخامس ( V5) وهكذا بدأت رحلتي مع هذه الطائرة بالتدريب وبعدها الواجبات ، لكن مايميز الطائرة ٤٠٣ هو كثرة الإصابات التي تعرضت لها خلال تنفيذ الواجبات حتى ان الطيارين يسمونها طائرتي ، ورغم الطيران الكثير لكن هناك واجبات لاتنسى مع هذه الطائرة ،
وأولها كانت معركة جزيرة سامراء ( عين الفرس ) عام ٢٠١١ اذا تمت هناك مطاردة لرتل للارهابيين وتدمير عجلاتهم وقتلهم وأتذكر حين حلقت فوق الرتل الاٍرهابي المسلح بالاحاديات مباشرة بحيث اخترقت إطلاقاتهم المقصورة ولا احد يتصور كيف أن قمصلة المقاتل البطل احمد مظهر قد مزقتها الاطلاقات المعادية دون اي جرح او خدش وهذا برعاية الله وحفظه ، فاستهدفتهم بالصواريخ والمدافع الجانبية رغم مقاومتهم الشرسة ، حتى تم ايقافهم وتدميرهم رغم إصابة طائرتي وبعدها قمت بالتوجه الى كلية القوة الجوية ( سبايكر) لاخلاء وفحص طائرتي المصابة وعند النزول والفحص تبين ان الطائرة تنضح الوقود والزيوت من اجزاء عديدة من جسم الطائرة فقمت بتبديلها بطائرة اخرى والعودة الى منطقة الواجب حيث كان السيد قائد طيران الجيش بانتظاري لشرح نتائج ما حصل، وبعد انتهاء الواجب تمت العودة الى سبايكر وتزويد طائرتي المصابة بالوقود والزيوت وقمت بالطيران بها الى قاعدة التاجي والنزول قرب الجناح الفني لحاجة الطائرة للصيانة بعد اصابتها ، وكانت المفاجأة التي يتذكرها الكثير آنذاك ، وهي ان الطائرة مصابة ب ٤٤ إطلاقة في كافة أنحاء الجسم لكن الله كتب لنا وللطائرة ٤٠٣ السلامة .
المرة الثانية حدثت عام ٢٠١٤عندما كلفت بواجب لمعالجة تجمع للارهابيين في منطقة الگرمة انطلاقاً من قاعدة التاجي
وحينها كان الموقف مضطرب ومشوش في تلك المناطق بسبب صعوبة التعرف على حقيقة مواقع الإرهابيين بالضبط اذ كنا نمر فوق منطقة تعتقدها آمنة لكنها أصبحت موقعاً للارهابيين ، وفعلاً بعد استهداف الإرهابيين الدواعش اصيبت طائرتي وقمت بالعودة بها الى قاعدة التاجي وعند النزول تبين لي ثقب الإطار الأيسر للطائرة فكانت عملية النزول صعبة بسبب عدم توازن ضغط الاطارات وبعد الفحص تبين ان الطائرة ٤٠٣ مصابة ب١٤ إطلاقة ورغم ذلك فقد كتب الله لنا السلامة، وتم تصليح الطائرة وإعادتها للخدمة بوقت قياسي .
المرة الثالثة كانت عندما تقدم إرهابيوا داعش باتجاه سد الموصل حيث قمت بقيادة تشكيل قتالي لإيقاف تقدمهم انطلاقاً من فيشخابور ( المثلث الحدودي العراقي التركي السوري) وعند الالتحام مع الإرهابيين وقصفهم اصيبت طائرتي من الجانب الأيمن وبدأ الوقود بالنضوح من الخزان الخارجي الأيمن فقمت بالعودة الى منطقة فيشخابور حيث كتب الله لنا وللطائرة ٤٠٣ السلامة ، وبعدالنزول كانت هناك بقعة كبيرة من الوقود تحت الطائرة وبعد الفحص
تبين ان الطائرة مصابة ب٧ إطلاقات وهي بحاجة لتبديل الخزان الخارجي الأيمن ، ولكن كيف يتم ذلك وانت في ذلك الموقع البعيد ، فكان ان قامت طائرة ( C130 ) تابعة للقوة الجوية العراقية بنقل خزان وقود جديد بعد إيصاله من قاعدة التاجي الى قاعدة الشهيد محمد علاء الى مطار اربيل وبعدها بواسطة طائرة مي ١٧ الي فيشخابور مع المفرزة الفنية ، اذ قاموا بتبديل الخزان الذي يسع (١٠٣٠) لتر وقود وإعادة الخزان المصاب وبنفس الطريقة ( فيشخابور اربيل بغداد تاجي) وبعد التصليح عادت طائرتي العزيزة للخدمة من جديد .
المرة الرابعة والعجيبة حين وردت المعلومات بتسلل مجموعة من الدواعش الى جبل سنجار ومحاولتهم التسلق عن طريق احد الأودية في الجبل الذي يؤوي النازحين الهاربين من هجوم داعش فقمت بقيادة تشكيل قتالي لمعالجة المتسللين الدواعش وفعلاً تم تدميرهم وقتل الكثير منهم لكنهم تمكنوا من إصابتي باصابة طفيفة في ساقي وإصابة طائرتي من الأسفل ، وقد لاحظت قوة حماية الجبل إصابة الطائرة وموقع إطلاق النار فتقدمت بقيادة العميد البطل آشتي وقتلت الباقين والاستيلاء على السلاح الذي اطلق النار على الطائرة وبعد ذلك جلبه لي ثأراً من الدواعش ، لكن المشكلة حينها كانت بانتشار الدخان الأبيض في المقصورة الخلفية للطائرة وخروجه بكثافة خلف الطائرة لكني بعد التأكد من عدم خطورة إصابتي وفحص منظومات الطائرة قررت التوجه الى فيشخابور رغم نضوح الوقود وعبور مسافة اكثر من ٧٠ كيلومتر من المناطق الخطرة التي يسيطر عليها الدواعش وصولاً الى المناطق الآمنة التي تبعد ٢٧ كيلومتر عن موقع النزول ، وبعد اجتياز تلك المناطق والوصول الى الأجواء الآمنة قررت الاستمرار بالطيران بعد التأكد بان كمية الوقود المتبقية تكفي للوصول الى فيشخابور وفعلاً تم النزول بسلام وعلاج ساقي وحينها تلقيت اتصالاً من السيد الفريق الاول الطيار حامد المالكي للاطمئنان على حالتي ، فأبلغته بسلامتي ، لكن المفاجأة كانت ان الإصابة تستوجب تبديل نفس الخزان الأيمن لنفس الطائرة ٤٠٣ وحصل نفس الشيء ونفس الخطة بنقل خزان الوقود الجديد من التاجي الى منطقة فيشخابور النائية وتصليح الطائرة وإعادتها للخدمة للتستمر ضمن موارد طيران الجيش القتالية التي ساهمت بتحرير جميع المناطق المغتصبة من قبل عصابات داعش الإرهابية في عموم العراق الذي عاد موحداً منتصراً .
واليوم تجثم هذه الطائرة العزيزة في قاعدة التاجي دون حراك او طيران لكنها تشهد هي وجسدها المثخن بالجراح على بطولة وشجاعة فرسانها الأبطال الذين امتطوا صهوتها، وهنا لابد من تقديم التحية للكوادر الهندسية والفنية التي كانت تعمل ليل نهار لصيانة وتجهيز الطائرات وإعادتها للخدمة بكل كفاءة وهمة لا مثيل لها في العالم .
تحية لأرواح الشهداء الذين رافقوني في تلك الايام ولكل من حلق معي وكتبت له السلامة ، وكلي أمل ان يتم إصلاح طائرتي العزيزة ٤٠٣ لأحلق بها من جديد في سماء العراق العزيز ، ومن الله التوفيق
1677
لقراءة المقال باللغة الانكليزية أنقر على الايقونة (يمين المقال)
تابع صفحتنا في فيسبوك هف بوست عراقي تنشر النصوص بلا قيود.. المواد المنشورة تعبر عن وجهة نظر مصدرها اعلان: هل تريد انشاء موقعك الرقمي المكتبي، وكالتك الخبرية، موقع لمركزك البحثي.. يمكن ذلك وبأرخص الأسعار.. الاتصال على الرقم: 0031613350555 |